الاثنين، 29 نوفمبر 2010

عوائق انجازات  منهج الرياضيات المطور

المنهج في عبارة مختصرة هو:
 (الخطة التي تصف الوسائل اللازمة للوصول إلي أهداف تعليمية معينة)، والكتاب الذي يحوي المنهج الدراسي المقرر يُعرف بالكتاب المدرسي، ويكون معتمداً من الجهة الرسمية المشرفة على التعليم، وهى عندنا: (اللجنة الشعبية العامة للتعليم).

ولأن التغيير المستمر من مقومات الحياة المعاصرة ويشمل جميع نواحيها، لذلك أصبح من الضروري بين حين وآخر تعديل المناهج الدراسية، وتطويرها لكي توافق هذه التطورات المستمرة. فالمنهج الذي لا يتطرق إليه التعديل والتطوير لا يمكنه أن يساير العصر الحديث المتطور.

ونتيجة لذلك نجد أن جميع النظم التربوية المختلفة في شتى أنحاء العالم تأخذ بعملية تطوير المناهج الدراسية، وتعتمد عليها كأساس لتطوير مناهجها إلى مناهج أفضل.
وعلينا أن نستفيد من خبرات الشعوب المتقدمة، خاصة فيما حققته في مجال تطوير المناهج، لكي نضع أسساً علمية نستفيد منها عند إجراء عملية التطوير.
وقد اعتمد منهج الرياضيات الجديد على طرق تعليم حديثة، غير مألوفة في مدارسنا، كطريقة التعليم بواسطة الفئات الصغيرة (Small Group Learning)، وطريقة التعليم التعاوني (Co-operative Learning)، وتعتبر هذه الطرق من ضمن الأفكار الحديثة التي تهدف إلى تطوير التعليم، وجعله فعّالا يندمج فيه التلاميذ معاً، وتربط عقولهم بالعمل والمشاركة الإيجابية.
ويؤكد منهج الرياضيات الجديد على ضرورة توفر الأساس الحسي للتعليم، ويتبنى مدخل “الملموس إلى المجرد”، في عرض المفاهيم والمهارات الرياضية.
وإلى هنا يُعتبر المنهج قد تم ” تطويره ” نظرياً، ولكن هذا لا يعنى أنه سينفذ على الوجه الصحيح في ميدان العمل (الدراسي) ؛ وبالتالي تتحقق النتائج المرجوة من وراء تطويره.
فمن البديهي أن عملية تنفيذ وإنجاز المنهج أكثر صعوبة وتعقيداً من عملية تطويره، فإذا كانت عملية التطوير تتم في أحد أروقة أمانة التعليم، أو أي مركز تعليمي داخل الجماهيرية أو خارجها، فإن عملية الإنجاز تتطلب جهداً مضاعفاً، يقتضى الاتصال بالمدارس والمعلمين والتلاميذ للتأكد من الآتي:

1. وصول كتب المنهج المطور إلى المدارس في الوقت المناسب، خاصة كتاب ” دليل المعلم “.
2. تزويد المدارس بالأجهزة والأدوات والوسائل التعليمية اللازمة لإنجاز المنهج المطور.
3. تدريب المعلمين على المنهج المطور لكي يقتنعوا بجدواه ويعملوا على تنفيذه.
4. التأكد من أن مواصفات المباني المدرسية وكثافة التلاميذ في الفصول لا تعرقل تنفيذ المنهج.

ولكن أغلب النقاط السابقة لم يتحقق، وكأن اللجنة الشعبية العامة للتعليم قد اكتفت بتطوير المنهج نظرياً، واعتبرت أن مهمتها قد انتهت عند ذلك الحد.. ولكي لا يكون الكلام جزافاً، سأركز على عملية إنجاز منهج الرياضيات المطور في مدينة (طبرق) التي قضيت في مجال التدريس بها أكثر من أربعة عقود، واحسب أن بقية مدن. الجماهيرية تتشابه ظروفها مع ظروف مدينة طبرق، فيما يتعلق بالصعوبات التي تعترض عملية إنجاز منهج الرياضيات المطور
أمّا الصعوبات فهى:
1. يركز منهج الرياضيات المطور على ضرورة استعمال التلاميذ للمكعبات القابلة للفك والتركيب، كوسيلة تعليم ” ملموسة ” أساسية، يتعلم التلاميذ – فرادى وجماعات - من خلال استعمالها أساسيات الحساب: (العد، المقارنة، الخانات، الجمع، الطرح.. الخ)، وكان الأحرى باللجنة الشعبية للتعليم أن توصى بتصنيع تلك المكعبات، وتوزعها على المدارس بأعداد كافية.. إ ن عدم توفر تلك المكعبات بوفرة في أيدي التلاميذ أسقط الأساس الأول الذي قام عليه منهج الرياضيات المطور وهو: تبنى مدخل ” الملموس إلى المجرد “.
2. رغم أن كتب الرياضيات وصلت إلى المدارس مع بداية العام الدراسي، إلاّ أن كتب ” دليل المعلم ” تأخر وصولها مدة أسبوعين، بل إن كتاب دليل المعلم للصف الأول لم يصل حتى الآن، وقد مضى أكثر من شهرين على بداية الدراسة. ولاشك أن لتأخر وصول كتاب دليل المعلم – ناهيك عن عدم وصوله – تأثير شديد السلبية على عملية إنجاز المنهج المطور، فدليل المعلم يصاحب الكتاب المدرسي ويتصدى بالشرح والتفصيل لطريقة استخدام ذلك الكتاب، وتوظيفه لتحقيق الفائدة منه، وبذلك يُسهل مهمة المعلم ويمكنه من تحقيق الأهداف المرجوة من وراء عملية التطوير، فالمنهج بمفهومه الحديث لا يعنى فقط المواد الدراسية وإنما يضم كذلك طرق التدريس والنشاط المدرسي.
3. في كتاب دليل المعلم تحديد (بالدقائق) للوقت اللازم لتنفيذ كل درس، وبناء عليه يبلغ مجموع (الدقائق) التي يتطلبها إنجاز منهج رياضيات الصف الثاني (8340) دقيقة أي (139) ساعة أما المدة المخصصة لإنجاز منهج الصف الثالث فهى (8275)دقيقة أي (138) ساعة..
 ويبدو أنه قد غاب عن ذهن اللجنة المنوط بها تطوير منهج الرياضيات الآتي:
• أن تلاميذ الفصول الأربعة الأولى من التعليم الأساسي يدرسون في الفترة المسائية، بعد انصراف طلاب الفترة الصباحية، ومدة الدراسة في الفترة المسائية ثلاث ساعات – على أكثر تقدير – تتخللها فترة استراحة مدتها نصف ساعة.
• تبدأ الدراسة من شهر التمور وتمتد (220) يوماً لتنتهى في الأسبوع الأول من شهر الماء، فإذا حذفنا منها أيام ” الجُمع والسبوت ” وعددها (64) يوماً، وعطلة نصف السنة والأعياد وغيرها حوالي (30) يوماً، يتبقى بعد ذلك أيام الدراسة الفعلية وعددها (126) يوماً، وعندما نقارن هذه المدة بالمدة اللازمة لإنجاز منهج رياضيات الصف الثاني (139) ساعة سنجد أن المنهج لا يمكن إنجازه بالطريقة المبينة في كتاب دليل المعلم، حتى لو خصصنا ساعة يومياً لمادة الرياضيات , وينسحب نفس الوضع على منهجى الصف الأول والثالث.
الخلاصة:إن منهج الرياضيات الجديد كما سبق أن نوهنا مبنى على أسس علمية، وتتوفر فيه شروط المنهج الحديث المتطور، وستكون له نتائج مذهلة، إذا ما طبق في مدارس ابتدائية متكاملة التجهيز والإعداد، وخاصة إذا كانت تلك المدارس تعمل بنظام اليوم الدراسي الكامل.
ولكن:
• إذا لم تزود المدارس بالوسائل التعليمية الضرورية لتنفيذ المنهج المطور.
• وإذا تأخر وصول ” كتاب دليل المعلم ” أو إذا لم يصل إطلاقاً.
• وإذا لم يُدرب المعلمون “تدريباً جدياً” حتى يفهموا دورهم في استعمال المنهج المطور.
عند ذلك سيرتبك المعلمون ويختلط عليهم الأمر، ويلجأ ون إلى الطرق التقليدية في تعليم الرياضيات، تلك الطرق التي تعتمد على التعليم (الآلي)، وأفضل ما يمكن أن يتوصل إليه التلميذ من خلال التعليم الآلي هو أن يعرف: (كيف)، ولكنه لا يعرف: (لماذا)، وهذا الجانب بالذات – معرفة (لماذا) هو أحد المرتكزات الأساسية في منهج الرياضيات المطور الجديد.
وأخيراً:
إن المنهج الدراسي لا يمكن أن يطور أو ينمو من غير اعتبار للخدمات التي يمكن توفرها، والخدمات الموجودة فعلا في المدارس، لأن الأهداف التربوية والمواد العلمية والخبرات التي تقدم للتلاميذ لا تعمل في فراغ.
ولذلك عندما نضع خطة لتطوير المناهج يجب أن نضع في اعتبارنا ظروف بيئتنا المحلية: (المجتمع – المدارس وتجهيزاتها – المعلمين – التلاميذ).
فخطتنا مهما كانت طموحة، ومهما بلغت قيمة الأهداف التي يرسمها واضعو المناهج فإنها تظل (نظرية) بلا جدوى حقيقية، ما لم يتحقق إنجازها في الواقع.



عمل : ساره سلطان العصيمي

0 التعليقات:

إرسال تعليق