الاثنين، 29 نوفمبر 2010

الرّياضيّات في علوم المادّة

يبقى علم الفيزياء علماً استقرائيّاً يعتمد في الأساس على مراقبة الظّواهر الطّبيعيّة واختبارها، ويستطيع في أقصى حدّه التّعبير عن القوانين بلغة رياضيّة، فتكون الرّياضيّات في مجال علوم المادّة لغة تعبير أكثر منها منهج اكتشاف، وهناك حالات عديدة كانت الرّياضيّات فيها أسلوب اكتشاف وبرهنة. فقد اكتشف "ليفيرييه" (أحد العلماء) بالحسابات الرّياضيّة مكان كوكب نبتون وبُعده وكتلته قبل التّحقّق من وجوده الفعلي بالرّصد وكان الفكر الرّياضي عند "نيوتن" و"أينشتاين" سابقاً إلى حدّ كبير على الاختبار، لكن يبقى الاختبار الضّامن الأخير لصحّة الاكتشافات في علوم المادّة. أمّا فرضيّة تحويل الكون برمّته إلى معادلة رياضيّة كبرى فيبقى حلماَ راود أذهان الفلاسفة والعلماء أمثال "ديكارت"، ولكن هذا الهدف الكبير يبقى مجرّد فرضيّة دونها صعوبات وتجاذبات علميّة وفلسفيّة. فالعالم لا يستطيع استعمال المنهج الرّياضي الاستنباطي في سائر العلوم إلاّ إذا سلب الواقع كثيراً من مضمونه.
فاللّغة الرّياضيّة توفّر للقوانين العلميّة مزيداً من الدّقّة، ومن أبرز الأمثلة على دور الرّياضيّات في علوم المادّة: قياس سرعة الرّياح، وقياس قوّة الزّلازل، وقياس الضّعط الجوّي.

  الرّياضيّات في علوم الأحياء


إنّ نجاح المنهج الاختباري في علوم الأحياء هيّأها لاستعمال اللّغة الرّياضية الرّائجة جدّاً في مجال العلوم الفيزيوكيميائيّة. ولقد عارض بعض العلماء هذا داعيين إلى الحذر وعدم إقحام الرّياضيّات في علوم الأحياء قبل أن تمرّ هذه الأخيرة بشكل واف ٍ على مشرحة التّحليل. فالعلم الّذي يبلغ مبلغاً كافياً من التّطوّر هو الّذي يمكن أن يطمح إلى هذه الدّرجة العلميّة الرّياضيّة . و كان علم الوراثة الأوّل من علوم الأحياء الّذي اتّبع علوم المادّة في مسارها الرّياضي، وقد طُبّقت قوانين "مندل" في المجال الحيواني بقصد تأصيل بعض الحيوانات وعزل خصائص معيّنة كاللّون والشّكل والقدّ. وركّز العالم "مورغان" اختياراته على ذبابة الدّروزوفيل فتوصّل إلى تحديد الجينات الوراثيّة في كروموزومات نواة الخليّة . إنّ علماء البيولوجيا يعتبرون الإحصاءات الرّياضيّة بمثابة استقصاء وشرح متميّز للمعطيات الطّبيّة. فإنّ قياس الثّوابت البيلوجيّة والتّسجيلات البيانيّة تشكّل لغة شائعة جدّاً في علوم الأحياء. فتخطيط الدماغ، وتخطيط القلب، وقياس نسبة الزُّلال، وقياس ثابة السكر في الدم، وإحصاء عدد كريات الدم الحمراء والبيضاء، وقياس النمو والوزن كلّها دلائل على دخول الرّياضيّات في علوم الأحياء.

  الرّياضيّات في العلوم الإنسانيّة

 إنّ العلوم الإنسانيّة هي الّتي تضمّ علم الاقتصاد، والإجتماع، والتاريخ، والنفس، والأخلاق وما سواها. فالمجتمعات الصناعية تعتمد على اللّغة الرّياضيّة من أجل تطوير الواقع الذي تعيش فيه، فالاقتصاد يقوم على التّخطيط الّذي يُعتبر أسلوب للسيطرة على اقتصاد البلد ومحوره الأساسي الرّياضيّات. كذلك علم الإجتماع الّذي يرتكز على الاستبيان والجداول الإحصائيّة والخطوط البيانيّة أثناء دراسة لحالة فقر أو نسبة الهجرة السّكّانيّة إلى الخارج أو نسبة البطالة. أمّا بالنّسبة للتّاريخ، فالرّياضيّات تجعل عمليّة التّأريخ أكثر موضوعيّة ودقّة من خلال تحديد الفترة الزّمنيّة لحادثة ما وتدوين نتائجها على مختلف الصّعد. وتُستخدم اللّغة الرّقميّة في العديد من الدّراسات لعلم النّفس خاصّة عندى قياس الفروقات الفرديّة ونسبة الذكاء. غير أنّ الرّياضيّات لا تستطيع الدّخول على علم الأخلاق بسبب الموضوعات الّتي يحويها كالإرادة والضمير والحرية والمسؤولية والحق والواجب، فهي بالأمور المعنويّة الّتي لا يصحّ معها استعمال القياس أو الكمّ.

 

 

ثناء فهد الموسى ...

0 التعليقات:

إرسال تعليق